button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

مدينة شبام في اليمن.. أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم

في قلب وادي حضرموت في الجمهورية اليمنية، تقع مدينة شبام التي لطالما أدهشت الزائرين والباحثين بتاريخها العريق وهندستها المعمارية الفريدة. تعرف هذه المدينة بلقب "مانهاتن الصحراء"، ليس فقط لأنها تشبه ناطحات السحاب الأمريكية، بل لأنها سبقتها بقرون طويلة، مما يجعلها بحق أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم.

بواسطة بكار 6190 المصدر: ويكيبيديا

شبام: جغرافيا موقع استراتيجي في حضرموت

تقع مدينة شبام وسط وادي حضرموت على ارتفاع حوالي 700 متر فوق سطح البحر. وهي محاطة بسور من الطين، وتتموضع على هضبة صخرية صغيرة تساعدها على مقاومة السيول والفيضانات، وهو أحد العوامل التي أثبتت دورها في حفظ المدينة على مر العصور. يمر بجانبها وادي حضرموت الشهير، مما يجعلها نقطة التقاء للتجارة والحركة بين مختلف مناطق اليمن القديمة.

تاريخ شبام: حضارة طينية عمرها قرون

ترجع أصول مدينة شبام إلى القرن الثالث الميلادي، لكنها ازدهرت بشكل ملحوظ خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. استخدم سكانها تقنيات بناء مبتكرة، حيث شيّدوا مباني من الطين اللبن يصل ارتفاعها إلى أكثر من سبعة طوابق، مما جعلها أول نموذج حقيقي للعمارة العمودية في العالم الإسلامي، بل والعالم ككل.

وقد لعبت شبام دورًا بارزًا كمركز حضاري وتجاري، وازدهرت في ظل الممالك اليمنية القديمة مثل مملكة حضرموت، واستمرت كمركز ثقافي ومعماري حتى العصر الإسلامي.

شبام: أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم

يبلغ عدد مباني مدينة شبام في اليمن أكثر من 500 مبنى سكني، تم بناؤها من الطين المجفف بالشمس، وتصل ارتفاعات بعضها إلى 30 مترًا. وهذه المباني لا تزال مأهولة حتى اليوم، مما يجعل المدينة نموذجًا حيًا فريدًا يجمع بين الأصالة والاستمرارية.

يرجع سبب تشييد هذه المباني العمودية إلى الحاجة لحماية السكان من الغارات القبلية والسيول، مع توفير أكبر عدد ممكن من المساحات السكنية في نطاق محدود داخل الأسوار. وبذلك، تكون شبام أول من طبق مفهوم "المدينة العمودية" الذي أصبح لاحقًا رائجًا في المدن الحديثة.

العمارة الطينية في شبام: تكنولوجيا بيئية فريدة

ما يميز شبام ليس فقط ارتفاع مبانيها، بل أيضًا أسلوبها المعماري الفريد، الذي اعتمد على الطين كمادة بناء أساسية. يتم تجديد هذه المباني دوريًا من قبل السكان باستخدام تقنيات توارثوها عبر الأجيال، مما يحافظ على البيئة ويساهم في استدامة المدينة.

الطين المستخدم له خصائص عزل ممتازة، حيث يحافظ على درجة حرارة مريحة داخل المنازل سواء في الشتاء أو الصيف، وهو ما يجعل شبام مثالًا رائعًا للعمارة المستدامة المتكيفة مع المناخ الصحراوي القاسي.

بواسطة Central Intelligence Agency - المصدر: ويكيبيديا

إدراج شبام ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي

في عام 1982، تم إدراج مدينة شبام ضمن قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، وذلك تقديرًا لقيمتها المعمارية والتاريخية والثقافية. وتم تصنيفها كأول مدينة في العالم تقوم على نظام ناطحات سحاب طينية.

اليونسكو حذّرت مرارًا من التهديدات التي تتعرض لها المدينة، من تآكل بفعل الزمن والفيضانات، وصولاً إلى الصراعات المسلحة والإهمال في بعض الفترات. ولهذا، أطلقت العديد من المبادرات بالتعاون مع السلطات اليمنية لترميم وصيانة المدينة والحفاظ عليها للأجيال القادمة.

دور المرأة في الحفاظ على تراث مدينة شبام

رغم أن الحديث عن شبام غالبًا ما يتمحور حول الهندسة المعمارية والإنجازات الحضرية، إلا أن المرأة الشبامية لعبت دورًا أساسيًا في صيانة التراث الثقافي والاجتماعي للمدينة عبر الأجيال. ففي مجتمع مترابط مثل شبام، لم تكن المرأة مجرد عنصر خلفي في المشهد، بل كانت قلبًا نابضًا يسهم في استمرارية الحياة، وتوارث الحِرف، والحفاظ على القيم المحلية التي ميزت المدينة عن غيرها.

تشمل مساهمات المرأة في شبام مجالات متعددة، بدءًا من إدارة شؤون المنازل الطينية بطريقة مستدامة، إلى نقل المعارف المتعلقة بالصيانة الدورية لجدران البيوت الطينية، والتي تتطلب مهارات دقيقة مثل ترطيب الجدران، وخلط الطين، وإعادة طلاء الأسطح. وتعمل النساء أيضًا في صناعة السجاد اليدوي، والنسيج، وتزيين البيوت من الداخل بالنقوش والرسومات المستوحاة من البيئة المحلية.

كما تلعب المرأة الشبامية دورًا محوريًا في تربية الأجيال الجديدة على حب المدينة والاعتزاز بهويتها. وغالبًا ما تبدأ هذه التربية في سن مبكرة، من خلال القصص الشعبية، والأغاني التراثية، والمشاركة في الفعاليات والمناسبات الدينية والاجتماعية التي تقام في المدينة.

في السنوات الأخيرة، ومع ظهور منظمات محلية ودولية تُعنى بحماية التراث، أصبحت المرأة الشبامية شريكًا فاعلًا في الورش التدريبية والبرامج التنموية، وتلقت بعض النساء تدريبات خاصة على التوثيق التراثي وصيانة المباني، في خطوة مهمة نحو إشراك جميع أفراد المجتمع في حماية أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم.

دور المرأة في شبام لا يقل أهمية عن دور أي معماري أو باحث؛ فهي الحارسة الصامتة لذاكرة المكان، والحاملة لتراث غير مادي لا يقل قيمة عن الطين الذي بُنيت به الجدران.

الاقتصاد المحلي في شبام: بين الزراعة والحرف اليدوية

رغم أن شبام تشتهر عالميًا بعمارتها الطينية وكونها أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم، فإن الجانب الاقتصادي من حياة سكانها يروي قصة أخرى، تتمحور حول الاعتماد على الزراعة التقليدية والحرف اليدوية كمصدر أساسي للدخل والبقاء.

تحيط بمدينة شبام أراضٍ زراعية خصبة، يشقها وادي حضرموت الذي يمد الأرض بالمياه خلال مواسم السيول. يعتمد سكان شبام على زراعة النخيل، والذي يُعتبر منتجًا استراتيجيًا للمنطقة، إذ يستخدم التمر في الطعام المحلي، ويباع في الأسواق المجاورة. كما تُزرع في محيط المدينة محاصيل أخرى مثل القمح، والبصل، والذرة، والخضروات الموسمية. وتعتمد الزراعة هنا على أساليب تقليدية تراعي شُح المياه وتتلاءم مع طبيعة التربة والمناخ.

إلى جانب الزراعة، تتميز شبام بوجود مجتمع نشط من الحرفيين. ويعمل العديد من السكان في صناعة المنتجات اليدوية مثل السلال المصنوعة من سعف النخيل، والأواني الطينية، والخناجر اليمنية التقليدية، إلى جانب التطريز وصناعة الحُلي. وتُباع هذه المنتجات في الأسواق المحلية، كما كانت في السابق تُصدر إلى خارج اليمن، خاصة قبل تراجع السياحة بفعل الأزمات السياسية.

ومع قلة فرص العمل الحديثة، يعتمد الاقتصاد المحلي بشكل أساسي على ما تنتجه الأيدي، وعلى التقاليد الموروثة من الأجداد. كما ظهرت بعض المبادرات الشبابية التي تحاول المزج بين التراث والتقنية الحديثة، مثل بيع المنتجات اليدوية عبر الإنترنت أو تصوير فيديوهات تعريفية بالمدينة.

الاقتصاد في شبام ليس فقط وسيلة للعيش، بل هو أيضًا جزء من هوية المدينة. فكل منتج محلي يحمل بصمة من تاريخ أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم، ويعكس القدرة المذهلة لأهلها على التكيف والبقاء رغم التحديات.

بواسطة ماريا غروبا - المصدر: ويكيبيديا

الحياة اليومية في شبام: مزيج بين الأصالة والتحديات

لا تزال شبام مدينة مأهولة بالسكان الذين يعيشون في منازلهم الطينية القديمة. وقد شكلت الحياة في هذه المدينة نمطًا فريدًا من التعايش بين الإنسان والمكان، حيث يمارس السكان حرفهم التقليدية، مثل النجارة، والخزف، والنقش، إلى جانب الزراعة في محيط الوادي.

رغم جمال الحياة هناك، فإن سكان شبام يواجهون تحديات عدة، أبرزها نقص الخدمات الحديثة، والحاجة إلى صيانة مستمرة للمباني، والخطر المتزايد من السيول التي تضرب المدينة في بعض الفصول.

شبام في عيون السياح والباحثين

لطالما جذبت مدينة شبام في اليمن أنظار الباحثين والمعماريين، وحتى السائحين الذين يأتون لاكتشاف عبقرية الطين والجمال العمراني الصحراوي. قبل تدهور الوضع الأمني في اليمن، كانت المدينة محطة رئيسية في رحلات السياحة الثقافية، ويأمل الجميع أن يعود الاستقرار لتستأنف شبام دورها كأحد أجمل الوجهات السياحية في الشرق الأوسط.

كما كانت مصدر إلهام للعديد من المعماريين العالميين، حيث تُدرّس تقنياتها المعمارية في كليات العمارة بوصفها نموذجًا مبكرًا لتصميم المدن المستدامة.

السياق الثقافي والعماري

عندما نتحدث عن أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم، فنحن لا نشير فقط إلى الارتفاع، بل إلى الفكرة الثورية المتمثلة في التوسع العمودي بدلًا من الأفقي. وهذا ما جعل شبام تتصدر هذه الفئة. فبينما ارتفعت المدن الغربية عموديًا في القرن العشرين بفضل الخرسانة والفولاذ، سبقتها شبام بقرون مستخدمة الطين الطبيعي، مما يعكس مدى تقدم وابتكار الإنسان اليمني.

بواسطة أيمن تيتي المصدر: ويكيبيديا

تحديات الحاضر ومستقبل شبام

تعاني شبام حاليًا من تراجع الاهتمام المحلي والدولي، رغم مكانتها التاريخية، وتهديدات بيئية وأمنية قد تؤثر على بقائها. إلا أن هناك جهودًا متفرقة لإعادة إحياء المدينة، تشمل مبادرات للحفاظ على الهوية المعمارية وتشجيع السياحة البيئية والتراثية مستقبلاً.

مع الدعم الدولي والتقنيات الحديثة، يمكن أن تستعيد أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالمرونقها ومكانتها كموقع تراثي فريد وإنساني.

خلاصة

تُعد مدينة شبام في اليمن أكثر من مجرد مدينة تاريخية؛ إنها شاهد حي على عبقرية معمارية وإنسانية سبقت زمانها. الطين هنا لم يكن مجرد مادة بناء، بل رمزًا للهوية، والابتكار، والصمود في وجه الزمن. وبين جدرانها العالية، تختبئ قصص حضارات، وعبر أزقتها الضيقة تتنفس الأرض تراثًا عمره قرون. ورغم كل ما تمر به، تظل شبام عنوانًا خالدًا لـ أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم، تنتظر أن يلتفت العالم من جديد لقيمتها الحضارية والإنسانية.

toTop