اللاعب السعودي عبد الملك الجابر يتألق على الساحة الأوروبية

في عالم كرة القدم حيث نادراً ما تبتعد المواهب السعودية الشابة عن وطنها، جذبت رحلة عبد الملك الجابر من المدينة المنورة إلى سراييفو وعودته الانتباه في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا على حد سواء.

في سن الـ 21 فقط، يبرز الجابر ليس فقط كرمز لطموحات المملكة العربية السعودية المتنامية

في كرة القدم، بل أيضاً كلاعب وسط واعد تميزه خبرته الأوروبية عن العديد من أقرانه المحليين.

من المدينة المنورة إلى زغرب - بدايات متواضعة وطموحات عالمية:

ولد عبد الملك في 7 كانون الثاني / يناير 2004 في المدينة المنورة، ونما شغفه بكرة القدم على ملاعب نادي أُحد، وهو نادٍ غير كبير في هرم كرة القدم السعودية. لكن موهبته سرعان ما تجاوزت محيطه. وما تلا ذلك كان انتقالًا نادرًا للاعب سعودي شاب، وهو الانضمام إلى صفوف الشباب في نادي دينامو زغرب الكرواتي العملاق في عام 2023.

على الرغم من أن فترة وجوده في فريق زغرب تحت 19 عامًا كانت قصيرة، إلا أنها أثبتت أنها لا تقدر بثمن. هنا تذوق الجابر لأول مرة ثقافة كرة القدم الأوروبية التقنية والسريعة والبدنية بشكل مكثف. كانت قدرته على التكيف مفاجئة للكشافين، حيث أظهر تنوعًا ورباطة جأش سرعان ما فتحا له أبوابًا أكبر.

نادي جيلييزنيتشار (FK Željezničar): انطلاقة أوروبية في الدوري البوسني الممتاز:

جاءت نقطة التحول في مسيرة الجابر المهنية في آب / أغسطس 2023 عندما وقع عقدًا احترافيًا مع نادي جيلييزنيتشار FK Željezničar، أحد أقدم الأندية في البوسنة والهرسك. كان هذا أكثر من مجرد خطوة، بل كانت اختبارًا لقدرته على الصمود بعيدًا عن اللغة العربية المألوفة والراحة والمناخ المعتاد.

الصورة بواسطة Fkzeljo على wikimedia

ملعب نادي جيلييزنيتشار البوسني في ساراييفو

في أيلول / سبتمبر 2023، ظهر لأول مرة مع الفريق الأول في مباراة صعبة انتهت بهزيمة 3-0 أمام نادي سلوغا مريديان (Sloga Meridian). ورغم أن النتيجة كانت سيئة، إلا أن

أداءه لم يكن كذلك. أشاد المدربون بأخلاقياته في العمل وذكائه في التمركز.

خلال موسم 2023-2024، حصل تدريجيًا على مزيد من الدقائق، وأصبح لاعبًا أساسيًا في خط الوسط بحلول النصف الثاني من الموسم.

في 27 نيسان / أبريل 2024، سجل أول هدف له كلاعب محترف، هدف الفوز في الدقائق الأخيرة في مباراة خارج أرضه انتهت بنتيجة 2-1 ضد نادي غوسك غابيلا (GOŠK Gabela). لم يمثل الهدف مجرد إنجاز إحصائي، بل كان أيضًا نقطة تحول في ثقته بنفسه. أنهى موسم 2024-25 بأربعة أهداف وعدة تمريرات حاسمة من خط الوسط في 44 مباراة بالدوري، وهي أرقام رائعة في دوري تنافسي وبدني.

مطلوب في أوروبا، واختاره النصر:

بحلول نهاية عام 2024، لاحظت الأندية الأوروبية موهبته. ربطت التقارير بينه وبين فريقي تولوز ونيس الفرنسيين، وكلاهما معروف بتجنيد لاعبين شباب يتمتعون بمهارات فنية عالية من الخارج. مع ارتفاع قيمته وجواز سفره الذي يحمل جاذبية الاستثمار السعودي المحتمل، كان لدى عبد الملك خيارات متعددة.

الصورة بواسطة Akonnchiroll على wikimedia

شعار دوري المحترفين السعودي

لكن في حزيران / يونيو 2025، فاجأ لاعب خط الوسط بعض المراقبين بعودته إلى وطنه؛ فقد وقع النصر، أحد أكثر الأندية طموحًا في المملكة العربية السعودية، معه عقدًا لمدة أربع سنوات، مقابل رسوم انتقال غير معلنة. وتشير مصادر قريبة من الصفقة إلى أن الانتقال لم يُنظر إليه فقط على أنه دفعة لطموحات النصر المحلية، بل كجزء من استراتيجية أوسع نطاقًا لدمج الشباب السعوديين ذوي الخبرة الأوروبية في دوري المحترفين، حيث يلعب الآن نجوم دوليون مثل كريستيانو رونالدو وساديو ماني. في الحقيقة، ضمّ نادي النصر تسعة لاعبين سعوديين شباب لعبوا في سبع دوريات أوروبية مختلفة الموسم الماضي. منهم فيصل الغامدي، 23 عامًا، ومروان الصحفي، 21 عامًا (نادي بيرشوت البلجيكي)، مهند السعد، 21 عامًا، (دونكيرك الفرنسي)، سعود عبد الحميد، 25 عامًا، (روما الإيطالي)، محمد الرشيدي، 23 عامًا، (بانسيرايكوس اليوناني)، حسين الطه، 19 عامًا، (فوكوفار الكرواتي)، مشعل حداد، 20 عامًا، (فينكوفسي الكرواتي)، ويزن مدني، 20 عامًا، (إجناتيا الألباني).

ما يميزه:

عبد الملك ليس اللاعب الأكثر بريقًا على الملعب، لكن ذكاءه الكروي ووعيه التكتيكي ورباطة جأشه على الكرة تجعله يبرز. يبلغ طوله حوالي 1.78 متر، وهو رشيق ويستخدم قدمه اليمنى، ويتميز بأسلوب تمرير هادئ ورؤية جيدة. غالبًا ما أشاد المدربون في البوسنة بموقعه في الملعب ونضجه الذي يفوق سنه.

يعزو الفضل في ذلك إلى المعسكرات الدولية والتأثيرات المبكرة، ولا سيما محمد صلاح، اعتبارها مصادر إلهام له. قال ذات مرة: "تعلمت من صلاح أهمية الاحترافية، حتى عندما لا يراقبك أحد". هذا الموقف هو الذي ساعده على النجاح في بيئات قد يتعثر فيها شباب سعوديون آخرون.

الصورة بواسطة Abodi009 على wikimedia

جانب من جمهور نادي النصر

الآثار على كرة القدم السعودية:

يعكس صعود عبد الملك تحولًا أوسع في رؤية المملكة العربية السعودية لكرة القدم. ففي حين جذب الدوري المحترف نجومًا عالميين، يظل تطوير اللاعبين المحليين القادرين على المنافسة في الخارج ركيزة أساسية. رحلة الجابر الأوروبية هي شهادة على قيمة إرسال المواهب الشابة في وقت مبكر، وتعريضهم لمنافسة عالية المستوى، وإعادتهم بشكل أفضل.

إذا نجح في النصر، فقد يصبح وجهًا لهذا النموذج: سد الفجوة بين المعايير الأوروبية والتطلعات السعودية.

ما يخفيه المستقبل:

الآن بعد عودته إلى السعودية، ستتجه الأنظار إلى موسم عبد الملك الجابر الأول مع النصر. هل سيتمكن من اقتحام وسط الملعب المليء بالنجوم؟ هل سيتمكن من تحويل دروسه الأوروبية إلى هيمنة محلية؟ وربما الأكثر إثارة للاهتمام: هل سيعود إلى أوروبا في المستقبل، وهذه المرة كلاعب دولي كامل الأهلية؟

هناك شيء واحد واضح: عبد الملك الجابر ليس مجرد موهبة صاعدة، بل هو لاعب كرة قدم يعيد تعريف المسار السعودي الحديث. وهذا، بالنسبة للمشجعين والكشافين على حد سواء، هو مجرد البداية.

toTop