في عمق صحراء محافظة المهرة شرق اليمن، تقع واحدة من أكثر الظواهر الجيولوجية والأسطورية غموضًا في العالم العربي: بئر برهوت، أو ما يُعرف شعبيًا بـ"قعر جهنم". لقد أثارت هذه البئر دهشة الناس وخوفهم منذ قرون، وارتبطت بأساطير عن الجن والعوالم السفلية والأرواح الشريرة. فما هي حقيقة هذه البئر؟ وهل هي مجرد ظاهرة طبيعية، أم أن هناك ما يُخفيه باطنها من أسرار؟
عرض النقاط الرئيسية
تقع بئر برهوت في منطقة صحراوية نائية في محافظة المهرة، شرق اليمن، على مقربة من الحدود العمانية. يبلغ قطر فتحتها حوالي 30 مترًا، ويُقدَّر عمقها بما يزيد عن 100 متر، وقد يصعب تحديد العمق بدقة بسبب التكوينات الصخرية والانحدار الداخلي.
تبدو البئر من بعيد كفتحة مظلمة في باطن الأرض، تحيط بها الصخور الجافة. وعلى الرغم من بساطة شكلها الخارجي، فإنها تُخفي داخلها مشهدًا أكثر غموضًا، إذ لم يكن أحد يستطيع التوغل فيها سابقًا بسهولة، سواء لأسباب تقنية أو لمجرد الرهبة من الأساطير التي تُحيط بها.
تُعد بئر برهوت واحدة من أشهر المواقع التي نسجت حولها الأساطير في التراث العربي، ويُقال إنها مأوى للجنّ أو "سجن للأرواح الشريرة". وفي بعض الروايات الشعبية، يُعتقد أن أبخرة سوداء أو رائحة كريهة تصعد منها أحيانًا، مما جعل البعض يربطها بالجحيم أو العذاب.
كما ورد ذكر البئر في بعض كتب التراث الإسلامي، مثل "صفة الجنة" و"البدء والتاريخ"، حيث قيل: "إن فيها أرواح الكفار، وهي أبغض بقاع الأرض إلى الله". إلا أن هذه الأقوال لا تستند إلى نصوص دينية قطعية، بل هي من قبيل المأثورات والقصص المتداولة.
يعود اسم "بَرَهُوت" في اللغة إلى جذر سامي قديم، ويُعتقد أن الكلمة تشير إلى "الأرض الخربة" أو "الأرض التي لا يُسكن فيها". في اللهجات اليمنية القديمة، قيل إن "برهوت" تعني "الوادي المخيف" أو "المكان المنعزل المظلم"، وهي صفات تنطبق على طبيعة البئر، التي تثير الرهبة في نفوس من يراها. وهناك من يربط الاسم بكلمة "بئر الهلاك" أو "قعر الجحيم" بسبب الروايات المتواترة حول ارتباطها بالجنّ والأرواح الشريرة.
قراءة مقترحة
وقد أشار بعض المؤرخين إلى أن تسمية البئر ارتبطت بالرهبة التي يسببها النظر إليها أو الاقتراب منها، مما دفع الناس عبر القرون إلى نسبها لعوالم خارقة للطبيعة.
لا يُعرف على وجه التحديد من أول من اكتشف بئر برهوت، إذ أن وجودها يعود إلى قرون بعيدة، وظهرت في كتب التراث الإسلامي والأدب العربي منذ بدايات التدوين. لكن من المؤكد أن سكان محافظة المهرة في اليمن عرفوا بها منذ أزمان قديمة، وتعاملوا معها بحذر شديد، بل وربما لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها أو استكشافها بعمق حتى العصر الحديث.
أما من حيث الاستكشاف العلمي، فقد كان أول فريق موثق نزل إلى قاع البئر هو فريق "مجموعة استكشاف الكهوف العمانية" في سبتمبر 2021، حيث نجحوا باستخدام الحبال والمعدات الحديثة في النزول إلى عمق البئر وتصوير قاعها لأول مرة.
في سبتمبر 2021، قامت مجموعة استكشاف الكهوف العُمانية (Omani Cave Exploration Team) برحلة جريئة إلى بئر برهوت في اليمن، والتي تعتبر من أكثر المواقع غموضًا في التراث العربي. وقد حقق الفريق إنجازًا تاريخيًا بالنزول لأول مرة إلى قاع هذه البئر العميقة التي لطالما أُحيطت بالأساطير والروايات الخارقة. وفيما يلي أهم النتائج والاكتشافات التي توصلوا إليها خلال هذه المهمة العلمية:
كانت البئر تُعتبر لسنوات طويلة "مستحيلة الوصول"، نظرًا لعمقها وظروفها الغامضة. ولكن الفريق العُماني تمكن من النزول إليها باستخدام معدات احترافية لتسلق الكهوف، وأكدوا أن عمق البئر يبلغ نحو 112 مترًا تقريبًا، وهو أقل مما كان يُشاع (بعض المصادر كانت تذكر أكثر من 250 مترًا).
تمكن الفريق من تصوير قاع بئر برهوت بالفيديو والصور بدقة عالية، وهو ما لم يحدث من قبل. وقد أظهرت اللقطات أن القاع يحتوي على:
وجد الفريق في قاع البئر عددًا من الكائنات الحية التي تعيش في بيئتها الطبيعية، منها:
هذه الاكتشافات تشير إلى وجود نظام بيئي مغلق ومتكيف مع الظلام والرطوبة.
أحد أهم النتائج التي أعلنها الفريق العُماني هو أنه لم يتم العثور على أي شيء "شيطاني" أو "خارق للطبيعة" داخل البئر، كما كانت تروج بعض الأساطير. لم تُرصد أصوات غريبة، ولا أشكال غير طبيعية، بل كانت النتائج علمية وجيولوجية بحتة.
أكدت نتائج الاستكشاف أن بئر برهوت هي تشكيل كارستي طبيعي، ناتج عن تحلل الصخور الجيرية عبر آلاف السنين بسبب تأثير المياه الجوفية، كما هو الحال في العديد من الكهوف العميقة حول العالم.
بفضل هذه المهمة، تم إزالة الغموض والخوف المبالغ فيه الذي طالما أحاط بالبئر. كما ساهمت في نشر الوعي بأهمية البحث العلمي الميداني والتفريق بين الأسطورة والعلم، مما لاقى ترحيبًا كبيرًا في الأوساط الأكاديمية والإعلامية.
بالرغم من الخلفية العلمية للمجموعة الاستكشافية العمانية إلا أنها لم تنجح في الرد على العديد من الشهادات عن أصوات وروائح غير طبيعية مرتبطة ببئر برهوت، واختارت المجموعة تجاهل تلك الظواهر وإنكارها دون محاولة تعميق البحث وجمع الأدلة حولها.
ورد أول ذكر معروف لبئر برهوت في بعض الروايات الإسلامية القديمة، منها ما رُوي عن الصحابي عبد الله بن عباس، حيث قال:
"إن أرواح الكفار في بئر برهوت، وهي أبغض بقاع الأرض إلى الله."
كما ذكرها المؤرخون في كتب مثل:
وهذه الإشارات تُظهر أن البئر كانت معروفة منذ قرون طويلة، ومرتبطة بالخوف والرهبة في الثقافة الإسلامية والعربية القديمة.
من منظور علمي حديث، فإن بئر برهوت تُعد تجويفًا كارستيًا أو حفرة انهدامية (Sinkhole)، تشكلت بفعل تحلل الصخور الكلسية وذوبانها نتيجة جريان المياه الجوفية على مدى آلاف السنين، ما أدى إلى انهيار السطح العلوي وظهور الفتحة الكبيرة.
أما عن الظواهر الغريبة التي ارتبطت بها، فهناك تفسيرات محتملة:
في المجمل، العلم لا يرى في بئر برهوت شيئًا خارقًا للطبيعة، بل يراها ظاهرة جيولوجية نادرة، تحيط بها أساطير تضخمت بفعل الخوف والخيال الشعبي.
من منظور علمي، تُصنَّف بئر برهوت على أنها تجويف كارستي تشكّل نتيجة تآكل الصخور بفعل المياه الجوفية، وهو أمر شائع في بعض المناطق الصحراوية. إلا أن عمقها الكبير وشكلها العمودي الحاد يجعل استكشافها مهمة صعبة وخطيرة، ما ساهم في بقاء الكثير من أسرارها غير مكتشفة لسنوات.
في عام 2021، تمكن فريق من المستكشفين العمانيين من النزول إلى قاع البئر باستخدام معدات حديثة، ووثقوا وجود تكوينات صخرية، وشلالات صغيرة، وكائنات حية نادرة مثل الضفادع والثعابين، لكنهم لم يجدوا أي شيء خارق للطبيعة. ومع ذلك، لم يلغِ هذا الاكتشاف الانطباع الشعبي بأن البئر ما زالت تحمل "قوة غامضة".
من بين أكثر الأمور التي أثارت الجدل حول بئر برهوت هي الرائحة الكريهة التي يُقال إنها تنبعث منها. وقد تكون هذه الرائحة ناتجة عن تركيبة كيميائية معينة في التربة أو بسبب تحلل الكائنات الحية في الداخل، وهو ما يفسّره العلم بطريقة منطقية.
لكن في الثقافة الشعبية، أصبحت هذه الرائحة بمثابة دليل على "لعنة" أو "عذاب"، ما جعلها عاملًا أساسيًا في تعميق الأسطورة المحيطة بالبئر.
لا تزال بئر برهوت تُرهب الكثيرين حتى اليوم، إذ يرفض السكان المحليون الاقتراب منها، ويؤكد بعضهم سماع أصوات غريبة في الليل، أو رؤيتهم لظواهر غير مألوفة حولها. ورغم عدم وجود دلائل علمية تؤكد هذه الروايات، فإن التواتر الشفهي لهذه القصص جعل من البئر رمزًا للغموض والرعب في التراث اليمني.
في السنوات الأخيرة، بدأ يبرز نوع من السياحة يُعرف بـ"السياحة الغامضة" أو "Dark Tourism"، حيث يسعى البعض لاستكشاف الأماكن الغامضة والمرتبطة بالأساطير والرعب. وقد بدأت بئر برهوت تثير فضول السائحين والمهتمين بهذا النوع من المغامرات، خاصة بعد توثيق أول رحلة استكشافية إليها.
لكن ما زالت المنطقة تفتقر إلى البنية التحتية السياحية، كما أن البئر بحد ذاتها غير مؤمنة تمامًا، مما يجعل الوصول إليها تحديًا محفوفًا بالمخاطر.
تظل بئر برهوت في اليمن واحدة من أبرز المعالم الطبيعية المحاطة بالألغاز والأساطير في العالم العربي. وبين التفسيرات العلمية التي تشرح تكوينها الجيولوجي، والروايات الشعبية التي تضفي عليها طابعًا شيطانيًا، تبقى البئر نقطة التقاء بين الخيال والحقيقة، وبين العلم والأسطورة.
ربما لم تَعد "قعر جهنم" كما وصفتها الروايات القديمة، لكنها ستظل إلى الأبد رمزًا للغموض وسحر الطبيعة الذي يفوق التوقعات.
إذا كنت تشعر بعدم الارتياح عندما يقف الأشخاص خلفك في الطوابير على مسافة قريبة جدًا، فأنت تُظهر هذه السمات المحددة
لينا عشماوي
أبو ظبي مقابل دبي في الإمارات العربية المتحدة: حكاية مدينتين
لينا عشماوي
بئر برهوت في اليمن والأسرار الغامضة التي يخفيها
إسلام المنشاوي
ليزر صيني يكسر حلم الجاسوس ويقرأ حروفًا بحجم حبة السمسم من مسافة ميل
عبد الله المقدسي
العقود الستة العظيمة في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية.
عبد الله المقدسي
استكشاف قلب مصراتة النابض بالحياة، ليبيا: نظرة عامة شاملة
جمال المصري
لماذا قد تكون أزمة الكاكاو في غرب إفريقيا مفيدة لصحتك؟
جمال المصري
سد مأرب: أعجوبة الهندسة القديمة في اليمن
إسلام المنشاوي
الصين تكشف عن أكبر اكتشاف للذهب في العالم وسط منافسة على المعادن النادرة
عبد الله المقدسي
أبرز المدن النيوزيلندية: دليلك لاستكشاف أوكلاند، ويلينغتون، وكريستشرش
ياسر السايح
هل تعاني من ضعف الذاكرة؟ أفضل ٤ فيتامينات لتقوية الذاكرة
جولين عادل
في رؤية المملكة العربية السعودية الرقمية للحج
شيماء محمود
اليونان تنشر عددًا قياسيًا من رجال الإطفاء والمزيد من الطائرات بدون طيار لموسم حرائق الغابات
عبد الله المقدسي
معتكفات المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية: الثقافة والروحانية لتنشيط الروح
شيماء محمود
مدينة شبام في اليمن.. أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم
إسلام المنشاوي















