button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

مدفونًا تحت 2 كيلومتر من جليد القارة القطبية الجنوبية، عثر العلماء على عالم مفقود عمره 34 مليون عام

تحت الجليد الكثيف في شرق أنتاركتيكا، يكمن عالمٌ خفيٌّ لم يُمسسه أحدٌ لأكثر من 34 مليون عام. لطالما أخفى هذا الامتداد المتجمد، الذي يزيد عرضه عن 10 ملايين كيلومتر مربع، مشهدًا طبيعيًا منسيًا. والآن، باستخدام أحدث تقنيات الأقمار الصناعية، كشف الباحثون الستار عن حقبةٍ كانت فيها أنتاركتيكا تعج بالحياة.

صورة بواسطة Dave Pape على wikipedia

كشف أسرار أرضٍ خفية

حقق فريقٌ بقيادة ستيوارت جاميسون من جامعة دورهام هذا الاكتشاف بمساعدة رادارسات، وهو نظام أقمار صناعية كندي. أتاحت لهم هذه التقنية رصد تغيراتٍ طفيفة في سطح الجليد، كاشفةً عن شكل الأرض المدفونة تحته. ما وجدوه كان استثنائيًا: أرضٌ قديمة منحوتةٌ بنهرٍ بحجم ويلز تقريبًا، محصورةٌ تحت ما يقرب من كيلومترين من الجليد. قال جاميسون: "الأمر أشبه باكتشاف كبسولةٍ زمنية". تشير حالة هذه الأرض البكر إلى عمرها الطويل. فقد ظلت الأرض، المحفوظة تحت وطأة الغطاء الجليدي الساحق، على حالها منذ ما قبل بدء التجلد بوقتٍ طويل. يعود تاريخ هذا العالم الخفي إلى فترة لم تكن فيها أنتاركتيكا الصحراء الجليدية التي نعرفها اليوم. في ذلك الوقت، كانت القارة جزءًا من جندوانا - وهي قارة عظمى مشتركة مع إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا. بدلاً من الجليد، تميزت أنتاركتيكا بأنهار متدفقة وغابات وديناصورات متجولة. تغير ذلك منذ حوالي 20 مليون عام عندما ترسخت الأنهار الجليدية، مما أدى إلى تجميد تاريخ المنطقة تحت طبقة جليدية متنامية. إن المناظر الطبيعية القديمة المكتشفة الآن هي أكثر من مجرد فضول ما قبل التاريخ. إنها تساعد العلماء على فهم كيف تغيرت أنتاركتيكا على مدى ملايين السنين. يمكن أن تلقي هذه النتائج الضوء أيضًا على كيفية استجابة الغطاء الجليدي لارتفاع درجات الحرارة العالمية في المستقبل. يفتح البحث أيضًا نافذة جديدة على كيفية تشكيل الأنهار للصخور الأساسية قبل تغير المناخ. ويشير إلى أن الغطاء الجليدي الهائل يمكن أن يحافظ على أنظمة بيئية كاملة في مكانها، مما يوفر لمحة نادرة عن البيئات القديمة التي لم تعد موجودة. يساعد بقاء هذه المعالم العلماء على رسم خريطة لكيفية استجابة سطح الأرض للتغيرات المناخية الشديدة. مع كل مرور للقمر الصناعي، ظهرت تفاصيل جديدة. ما بدأ كإشارات سطحية خافتة تحول إلى صورة واضحة للوديان والتلال والقنوات تحتها. مع تطور التكنولوجيا، قد تنكشف المزيد من جوانب ماضي الأرض الخفية. لكن في الوقت الحالي، تربطنا هذه النظرة الخاطفة تحت جليد أنتاركتيكا بعالم أكثر خضرة ووحشية، مضى عليه زمن طويل، ولكنه لم يُنسى.

من جندوانا إلى التجلد

بدأت الصفيحة الجليدية في شرق أنتاركتيكا (EAIS) بالتشكل خلال فترة الانتقال من العصر الإيوسيني إلى الأوليجوسيني قبل حوالي 34 مليون سنة، مع انخفاض حاد في درجات الحرارة العالمية وانخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون إلى ما دون الحد الحرج. أصبحت المناطق المرتفعة، مثل جبال غامبورتسيف تحت الجليدية والجبال العابرة للقطب الجنوبي، نواةً للكتل الجليدية المتنامية. وعلى مدى ملايين السنين، توسعت هذه الأنهار الجليدية، لتندمج في النهاية لتشكل الصفيحة الجليدية الضخمة التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

صورة بواسطة Joe Mastroianni على wikipedia

وقد شهدت الصفيحة الجليدية في شرق أنتاركتيكا تقلبات كبيرة على مدار تاريخها. فخلال العصر الميوسيني، أي قبل حوالي 17 إلى 14 مليون سنة، تمددت الصفيحة الجليدية وانكمش حجمها استجابةً للتغيرات المناخية. وتشير الأدلة المستمدة من الرواسب البحرية إلى فترات انحسار خلال فترات أكثر دفئًا، مثل فترة منتصف البليوسين الدافئة وفترات ما بين الجليدية في البليستوسين. تركت هذه التقلبات آثارًا دائمة على المشهد تحت الجليدي، مُشكّلةً معالم يُمكن رصدها الآن من خلال المسوحات الجيوفيزيائية الحديثة.

تكنولوجيا الأقمار الصناعية والمسوحات الجيوفيزيائية

لعبت مجموعة رادارسات دورًا محوريًا في الكشف عن هذه المعالم الخفية. فمن خلال تحليل التغيرات في منحدر سطح الجليد، يُمكن للباحثين استنتاج تضاريس تحت الجليد واسعة النطاق. وقد استكمل فريق جاميسون هذه البيانات بمسوحات صدى الراديو (RES) التي أُجريت كجزء من مشروع الاستكشاف التعاوني الدولي للغلاف الجليدي من خلال التنميط الجوي (ICECAP). وباستخدام RES، حدّد الباحثون خصائص المشهد، وحددوا معالم طبوغرافية قديمة لا تتوافق مع أنماط تدفق الجليد الحالية. وتشير النتائج إلى مشهد تشكل بفعل التعرية النهرية قبل فترة طويلة من تكوّن الغطاء الجليدي. كما طبّق الفريق نمذجة الانحناء لتقييم ما إذا كانت كتل المرتفعات الواقعة تحت الجليد جزءًا من سطح أرض واحد، ثم حُفرت وارتفعت لاحقًا بفعل التعرية الانتقائية. تكشف هذه التحليلات عن صورة أكثر تفصيلاً لكيفية تطور منطقة شرق آسيا المدارية ودور شبكات الأنهار القديمة في تشكيل تضاريسها الأساسية.

صورة بواسطة Marco Feldmann/FH Aachen على wikipedia

التداعيات على علم المناخ

إن لفهم تاريخ نظام الطبقات الجليدية تحت الجليدية (EAIS) تداعيات عميقة على التنبؤ بسلوكه المستقبلي في ظل ارتفاع درجة حرارة العالم. فحساسية الغطاء الجليدي للتغيرات المناخية والمحيطية تجعله مؤشرًا حاسمًا على كيفية تأثير ارتفاع درجات الحرارة على إعادة تشكيل المناطق القطبية. ويؤكد بحث جيمسون، المنشور في مجلة Nature Communications، على أهمية دراسة المناظر الطبيعية تحت الجليدية لإعادة بناء ديناميكيات الغطاء الجليدي السابقة. وأكد أن "فهم كيفية استجابة هذه الطبقة الضخمة لتغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية يمثل مصدر قلق مُلح". يُعد نظام الطبقات الجليدية تحت الجليدية (EAIS)، وخاصة في القطاعات البحرية المنخفضة مثل حوضي أورورا وويلكس تحت الجليديين، عرضة للتراجع خلال فترات الدفء. ويمكن أن تُسهم هذه التغيرات بشكل كبير في ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي. وتُبرز نتائج الفريق الحاجة إلى مواصلة رصد نظام الطبقات الجليدية تحت الجليدية (EAIS) واستجابته لاتجاهات الاحترار الحالية. ومن خلال ربط سمات المناظر الطبيعية القديمة بالظروف المناخية السابقة، يمكن للباحثين تحسين النماذج التي تتنبأ بسلوك الغطاء الجليدي في المستقبل. وتعتبر هذه المعرفة حيوية لإعلام الاستراتيجيات العالمية للتخفيف من آثار تغير المناخ.

toTop