يُعد سد مأرب، الواقع في اليمن حاليًا، أحد أبرز الإنجازات الهندسية في العالم القديم. بُني السد على يد الحضارة السبئية، وكان بمثابة نظام ريّ أساسيّ حافظ على الزراعة وازدهار المنطقة لقرون. ومع ذلك، ورغم عظمته ومتانته، انهار السد في النهاية، مما أثار تكهنات حول انهياره. وبينما يُرجع بعض المؤرخين تدميره إلى الكوارث الطبيعية أو الإهمال، تُشير الأساطير المحلية إلى سبب أكثر غرابة: الجرذان. وفقًا للروايات الشعبية، يُقال إن أعدادًا كبيرة من الجرذان قامت بنخر أساسات السد، مما أدى إلى إضعاف بنيته تدريجيًا حتى انهار بالكامل. وعلى الرغم من أن هذه القصة تبدو غير قابلة للتصديق، إلا أن تأثير القوارض على الهياكل المعمارية ليس أمرًا مستبعدًا تمامًا. فالجرذان معروفة بقدرتها على الحفر والتسبب في أضرار جسيمة للبنية التحتية، خاصة إذا كانت هناك شقوق أو ضعف مسبق في الهيكل. ومع ذلك، لا يوجد دليل أثري قاطع يؤكد أن الجرذان كانت السبب الرئيسي لانهيار السد، لكن هذه الأسطورة ظلت متداولة عبر الأجيال، مضيفة عنصرًا من الغموض إلى تاريخ هذا المعلم الهندسي العظيم.
عرض النقاط الرئيسية
بُني سد مأرب في حوالي القرن الثامن قبل الميلاد على يد السبئيين، وهي حضارة اشتهرت بأنظمة إدارة المياه المتقدمة. بُني السد بطريقة استراتيجية لجمع مياه الأمطار الموسمية من الجبال المجاورة، مما يسمح بتخزين المياه وتوزيعها لأغراض الري. وفي ذروته، دعم السد شبكة زراعية واسعة، حيث روى ما يقرب من 25,000 فدان من الأراضي الزراعية. كان البناء بحد ذاته تحفة فنية من روائع الهندسة القديمة. كان السد يتكون من أساسات من حجارة ضخمة، مُدعّمة بجدار ترابي مُلَصَّق بالحجر والحصى. امتد السد لمسافة 720 مترًا عبر وادي ضانا، رابطًا جبال بلَق الشمالية والجنوبية. بلغ ارتفاع جدرانه 15 مترًا، وسمك قاعدته 60 مترًا، مما جعله من أكبر السدود وأكثرها تطورًا في عصره. على مر القرون، خضع السد لعمليات تجديد وإصلاح متعددة، مما يعكس أهميته لشعب سبأ. حتى بعد سقوط مملكة سبأ في يد الحميريين، استمرت صيانة السد، مما ضمن استمراره لأجيال. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الجهود، انهار السد في النهاية، إيذانًا بنهاية حقبة تاريخية في المنطقة.
قراءة مقترحة
لا يزال سبب انهيار سد مأرب محل جدل بين المؤرخين وعلماء الآثار. يجادل بعض الباحثين بأن زلزالًا أو هطول أمطار غزيرة أدى إلى انهيار السد، بينما يعتقد آخرون أن الإهمال المطول وقلة الصيانة ساهما في انهياره. ومع ذلك، تأتي إحدى أكثر النظريات إثارة للاهتمام من الأساطير المحلية، التي تزعم أن الجرذان هي التي اخترقت السد. ووفقًا للفولكلور اليمني، كانت جرذان كبيرة تقضم قاعدة السد، مما أضعف بنيته بمرور الوقت. ويُزعم أن هذه القوارض حفرت في الأساس، مما خلق نقاط ضعف أدت في النهاية إلى انهيار السد.
وبينما قد تبدو هذه النظرية بعيدة الاحتمال، إلا أنها ليست مستبعدة تمامًا. فمن المعروف أن الجرذان تُسبب أضرارًا هيكلية كبيرة من خلال حفرها في الجدران والأساسات وأنظمة الري. لو كان السد قد عانى بالفعل من تآكل أو تشققات طفيفة، لكان من الممكن أن يؤدي غزو الفئران المستمر إلى تفاقم المشكلة، مما يؤدي في النهاية إلى انهياره. على الرغم من هذه الأسطورة، لا يوجد دليل أثري ملموس يدعم الادعاء بأن الفئران كانت وحدها المسؤولة عن تدمير السد. ومع ذلك، فقد استمرت هذه القصة لقرون، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الشعبي اليمني، مضيفةً عنصرًا من الغموض إلى تاريخ السد.
على الرغم من أن سد مأرب القديم لم يعد يعمل، إلا أن آثاره لا تزال شاهدًا على براعة الحضارة السبئية. ولا تزال بقايا بواباته وأساساته تجذب المؤرخين وعلماء الآثار والسياح المهتمين باستكشاف التراث اليمني الغني. وتقديرًا لأهميته التاريخية، أُضيف الموقع إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام ٢٠٢٣، مما عزز مكانته كأعجوبة هندسية. في ثمانينيات القرن الماضي، شُيّد سد حديث بالقرب من أنقاض السد القديم، بهدف إحياء نظام الري في المنطقة. ورغم أن السد الجديد لا يضاهي عظمة سابقه، إلا أنه يُذكرنا بإرث السبئيين ومساهماتهم في إدارة المياه في شبه الجزيرة العربية. كما أن السد الحديث ساهم في دعم الزراعة المحلية، مما أعاد الحياة إلى بعض الأراضي التي كانت تعتمد على السد القديم في الري. للأسف، لحقت أضرار إضافية بآثار سد مأرب في السنوات الأخيرة بسبب الصراعات الدائرة في اليمن. أفادت التقارير أن الغارات الجوية عام ٢٠١٥ أثرت على الموقع، مما أثار مخاوف بشأن الحفاظ على هذا المعلم التاريخي. وبالإضافة إلى الأضرار الناجمة عن النزاعات، فإن عوامل التعرية الطبيعية والتغيرات المناخية تشكل تهديدًا مستمرًا لبقايا السد. وتتواصل جهود حماية وترميم الآثار، حيث يعمل العلماء وخبراء الحفاظ على التراث على حماية التراث اليمني العريق، لضمان بقاء هذا الصرح العظيم شاهدًا على تاريخ المنطقة وإبداعها الهندسي الفريد.
يُعدّ سد مأرب رمزًا للإبداع القديم، مُظهرًا للقدرات الهندسية المتقدمة لحضارة سبأ. تُبرز قدرته على استدامة الزراعة والازدهار لقرون أهمية إدارة المياه في المجتمعات القديمة. ومع ذلك، فإن انهياره الغامض - سواءً بسبب الكوارث الطبيعية أو الإهمال أو حتى الجرذان - يُضيف بُعدًا مُثيرًا للاهتمام إلى تاريخه. في حين أن أسطورة الجرذان التي دمّرت السد لا تزال غير مؤكدة، إلا أنها تُمثّل حكاية آسرة تناقلتها الأجيال. وسواءً أكانت حقيقة أم خرافة، لا تزال قصة سد مأرب تُأسر المؤرخين والسكان المحليين على حد سواء، مُذكّرةً إيانا بالتوازن الدقيق بين الابتكار البشري وقوى الطبيعة.
العالم المفقود في سقطرى: أكثر الأماكن غرابة على وجه الأرض
إسلام المنشاوي
أبرز المدن النيوزيلندية: دليلك لاستكشاف أوكلاند، ويلينغتون، وكريستشرش
ياسر السايح
داخل منتجع صخرة الصحراء (ديزرت روك) الذي افتتحته شركة ريد سي جلوبال مؤخراً
شيماء محمود
بعد أكثر من 60 عامًا من التطوير، إليكم المحرك النووي الذي من المقرر إرساله إلى المريخ
عبد الله المقدسي
رامي العلي يصبح أول مصمم سوري ينضم إلى الاتحاد الفرنسي للأزياء الراقية والموضة
شيماء محمود
في رؤية المملكة العربية السعودية الرقمية للحج
شيماء محمود
قد يكون عباقرة الرياضيات قد حلوا مشكلة الجبر ”المستحيلة“
شيماء محمود
جرينلاند: أرض الجليد والمضائق في أقصى الشمال
ياسر السايح
ليزر صيني يكسر حلم الجاسوس ويقرأ حروفًا بحجم حبة السمسم من مسافة ميل
عبد الله المقدسي
مدينة شبام في اليمن.. أقدم مدينة ناطحات سحاب في العالم
إسلام المنشاوي
الصين تكشف عن أكبر اكتشاف للذهب في العالم وسط منافسة على المعادن النادرة
عبد الله المقدسي
عيد الأضحى: قصة إيمان وولائم... قصة أسرة واحتفال عالمي
شيماء محمود
لقاحات الأطفال: هل هي ضرورية وما مخاطرها؟
نهى موسى
صلالة: جوهرة الجنوب العماني وأيقونة السياحة الطبيعية
حكيم مرعشلي
هل يمكننا السفر إلى أكوان موازية؟
عبد الله المقدسي















