الصحة اليومية
·11-05 06:10
انتشرت مؤخراً طريقة تُدعى الصيام المتقطع أو حصر الأكل في ساعات معينة من اليوم؛ فجذبت هواة الرياضة وموظفي المكاتب على حدّ سواء، في أمل الحصول على فوائد صحية ثابتة مثل خفض الزيادة والتحكّم في الأيض. مع ذلك، يتردد كثيرون في خوض التجربة، خشية أن يؤدي تخفيف الوجبات إلى إحساس بالخمول، أو توتر، أو تراجع في الإنتاجية. تُروى قصة اجتماعية تقول إن العقل يحتاج وقوداً دائماً ليظل حادّاً، لذلك يظل البعض يتساءل: هل ينقص الصيام من نشاطهم الذهني؟
تقدّم هذه المقالة مقارنة حيادية مسندة إلى دراسات بين حالة الصيام وحالة الأكل من حيث الأداء الذهني، بهدف توضيح الأمور لمن يفكر في تغيير نمط أكل.
لفهم الموضوع، من الأفضل معرفة ما يحدث بالجسم حين نصوم. تستخدم خلايا المخ عادة الجلوكوز الموجود على شكل جليكوجين في الكبد والعضلات. بعد نحو اثنتي عشرة ساعة من الامتناع عن الطعام تتضاءل هذه المخزونات.
عندها يحوّل الجسم مصدر طاقته. يبدأ بتحلّل الدهون لينتج كيتونات تختزل الكبد من الأحماض الدهنية، فتصبح الكيتونات وقوداً بديلاً للدماغ والجسم. كان هذا الانتقال ضرورياً لبقاء الإنسان الأول في أوقال قلة الطعام، واليوم يُعدّ منفعة صحية محتملة. مثلاً، يُطلق الصيام في بعض الأحوال عملية تُسمى الالتهام الذاتي، تُنظف خلالها الخلية مكوّناتها التالفة، ويتحسّن استجابة الأنسولين، فيسهّل على الجسم تنظيم سكر الدم.
على رغم الفوائد الجسدية الواضحة، يبقى القلق الأكبر لدى الطلاب والأهل والموظفين هو الأداء الذهني المباشر. أجاب على هذا سؤال تحليلي شامل وضع خلاله الباحثون 71 دراسة مستقلة نُشرت في سبعة عقود، وبلغ عدد المتطوعين فيها 3400 تقريباً.
كانت الخلاصة بيّنة: لدى البالغين الأصحاء لم يُلحظ فرق ذو دلالة في الأداء الذهني بين حالة الصيام وحالة الشبع. أدّى المتطوعون بنجاح اختبارات تُقيس الانتباه والذاكرة والتنفيذ، سواء أكلوا قبل الاختبار أم لم يأكلوا.
رغم تلك النتائج المطمئنة كشفت الدراسة نقاطاً حاسدة تؤثر في الدماغ أثناء الصيام. لا تعمل قاعدة موحدة على الكل.
1. العمر عنصر حاسم
البالغون لم يظهروا تراجعاً واضحاً. أما الأطفال والمراهقون فكان مختلفاً؛ تبدو أدمغتهم في طور النموّ حسّاسة لاختلاف طاقة اليوم القصيرة. لدى هذه المجموعة، ارتبط تخطي وجبة بضعف الأداء الاختباري، ما يؤكد الحاجية لإفطار منتظم لتعزيز التعلّم.
2. التوقيت والمدة يفرقان
أشار التحليل إلى أن فترات الصيام الأطول أظهرت فجوة أصغر أداءً بين حالتي الأكل أو الصيام. بمجرد أن ينتقل الجسم كلياً إلى الكيتونات يحصل الدماغ على طاقة مستمرة، فيقلّت تداعيات هبوط السكر. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أن الاختبارات التي تُجرى بعد الظهر أو المساء تتراجع فيها نتائج الصائمين قليلاً، ما يشير إلى أن الصيام قد يكبّر الانخفاض الطبيعي للنشاط في هذا الوقت.
3. نوع المهمة والبيئة تؤثران
كنتائج جيدة عندما استخدمت التجارب محفزات خارجية مثل رموز أو أشكال، ولم يكن هناك فرق بين من أكل أو من صام. عندما كانت المهمة تتضمّن صور طعام انخفض أداء الصائمين، ما يعني أن الجوع لا يعطل الذهن بالكامل، لكنه يزيد قابلية المشارك للتشتّت حين يكون الطعام في محيط الشاشة أو في ذهنه.
لمعظم البالغين الأصحّاء يوفّر هذا الدليل طمأنينة. من المرجّح أن التجارب الأولى مع الصيام المتقطع أو حصر الأكل في ساعات معينة لا تهدد حدة التفكير أو الإنتاجية اليومية، يمكن اكتساب المنافع الأيضية بعيدة المدى من دون خسارة الانتباه.
ينبغي التنبّه: لا يُنصح إجمالاً بصيام الأطفال والمراهقين، إذ تحتاج أدمغتهم تدفقاً منتظماً من الوقود لتنمو وتتعلّم. كما قد يجد من تتطلب مهنتهم ذروة استعداد في وقت متأخر من اليوم، أو من يحوطهم الطعام دائماً، أن مواصلة الصيام أشقّ عليهم.
ينبغي النظر إلى الصيام أداة شخصية للصحة، لا وصفة عامّة. تختلف آثاره حسب العمر ونمط الحياة وبيولوجيا الفرد. كما هو الحال لأي تعديل كبير في النظام الغذائي أو الروتين الصحي، من الحكمة التشاور مع مختص الرعاية الصحية، بالأخصّ من لديه حالة طبية قائمة أو احتياج غذائي خاص.














